فصل: ذكر موت الأفشين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غضب المعتصم على جعفر بن دينار لأجل وثوبه على من كان معه من الأصحاب وحبسه عند أشناس خمسة عشر يوما ثم رضي عنه وعزله عن اليمن واستعمل عليها إيتاخ‏.‏

وفيها عزل الأفشين عن الحرس وولاه إسحاق بن يحيى بن معاذ‏.‏

وفيها سار عبد الرحمن صاحب الأندلس في جيش كثير إلى بلاد المشركين في شعبان فدخل بلاد جليقية فافتتح منها عدة حصون وجال في أرضهم يخرب ويغمن ويقتل ويسبي وأطال المقام في هذه الغزاة ثم عاد إلى قرطبة‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود‏.‏

وفيها توفي أبودلف العجلي واسمه القاسم بن عيسى وأبوعمرو الجرمي النحوي واسمه صالح بن إسحاق وكان من الصالحين‏.‏

وفيها توفي أبوالحسن علي بن محمد بن عبد الله المدائني وله ثلاث وتسعون سنة وله كتب في

 حوادث سنة ست وعشرين ومائتين

فيها وثب علي بن إسحاق بن يحيى بن معاذ وكان على المعونة بدمشق من قبل صول أرتكين عليّ بن رجاء وكان على الخراج فقتله وأظهر الوسواس ثم تكلم فيه أحمد بن أبي دؤاد فأطلق من محبسه‏.‏

وفيها مات محمد بن عبد الله بن طاهر فصلى عليه المعتصم‏.‏

  ذكر موت الأفشين

وفيها مات الأفشين وكان قد أنفذ إلى المعتصم يطلب أن ينفذ إليه من يثق به وأنفذ إليه حمدون بن إسماعيل فأخذ يعتذر عما قيل فيه وقال‏:‏ قل لأمير المؤمنين إمنا مثلي ومثلك كرجل ربي عجلًا حتى أسمنه وكبر وكان له أصحاب يشتهون أن يأكلوا من لحمه فعرضوا بذبحه فلم يجبهم فاتفقوا جميعًا على أن قالوا‏:‏ لم تربي هذا الأسد فإنه إذا كبر رجع إلى جنسه‏!‏ فقال لهم‏:‏ إمنا هوعجل فقالوا‏:‏ هذا أسد فسل من شئت‏.‏

وتقدموا إلى جميع من يعرفونه وقالوا لهم‏:‏ إن سألكم عن العجل فقولوا له‏:‏ إنه أسد وكلما سأل إنسانًا قال‏:‏ هوسبع فأمر بالعجل فذبح ولكني أنا ذلك العجل كيف أقدر أن أكون أسدًا الله الله في أمري‏.‏

قال حمدون‏:‏ فقمت عنه وبين يديه طبق فيه فاكهة قد أرسله المعتصم مع ابنه الواثق وهوعلى حاله فلم ألبث إلا قليلًا حتى قيل إنه يموت أوقد مات فحمل إلى دار أيتاخ فمات بها وأخرجوه وصلبوه على باب العامة ليراه الناس ثم ألقي وأحرق بالنار وكان موته في شعبان‏.‏

قال حمدون‏:‏ وسألته هل هومطهر أم لا فقال‏:‏ إلى مثل هذا الموضع إمنا قال لي هذا والناس مجتمعون ليفضحني إن قلت نعم قال‏:‏ تكشف والموت كان أحب إليّ من أن أتكشف بين يدي الناس ولكن إن شئت أتكشف بين يديك حتى تراني فقلت عنه إلا القليل حتى مات‏.‏

قال‏:‏ ولما أخذ ماله رأى في داره بيت تمثال إنسان من خشب عليه حلية كثيرة وجوهر وفي أذنيه حجران مشتبكان عليهما ذهب فاخذ بعض من كان مع سليمان أحد الحجرين وظنه جوهرا وكان ذلك ليلا فلما أصبح نزع عنه الذهب ووجده شيئًا شبيهًا بالصدف يسمى الحبرون ووجدوا أصنامًا وغير ذلك والأطواف الخشب التي كان أعدها ووجدوا له كتابًا كتب المجوس وكتبًا غيره فيها ديانته‏.‏

  ذكر وفاة الأغلب وولاية أبي العباس محمد بن الأغلب إفريقية وما كان منه‏

في هذه السنة في ربيع الآخر توفي الأغلب بن إبراهيم يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة وكانت ولايته سنتين وسبعة أشهر وسبعة أيام‏.‏ولما توفي ولي أبوالعباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب بلاد إفريقية بعد وفاة والده ودانت له إفريقية وابتنى مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية في سنة تسع وثلاثين ومائتين فاحرقها أفلح بن عبد الوهاب الإباضي وكتب إلى الأموي صاحب الأندلس يعلمه ذلك فبعث إليه الأموي مائة ألف درهم جزاء له على فعله‏.‏وتوفي محمد بن الأغلب يوم الاثنين غرة المحرم من سنة اثنتين وأربعين ومائتين وكانت ولايته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وعشرة أيام‏.‏

  ذكر ولاية ابنه أبي إبراهيم أحمد

لما توفي أبوالعباس محمد بن الأغلب ولي الأمر بعده أبو إبراهيم أحمد وأحسن السيرة مع الرعية واكثر العطاء للجند وبنى بأرض إفريقية عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب الحديد واشترى العبيد ولم يكن في أيامه تأثر يزعجه ثم توفي رحمه الله يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين وكانت ولايته سبع سنين وعشرة أشهر واثني

  ذكر ولاية أخيه أبي محمد زيادة الله

ولما توفي أحمد ولي أخوه زيادة الله وجرى على سنن سلفه ولم تطل أيامه فتوفي يوم السبت لإحدى عشرة بقيت من ذي القعدة سنة خمسين ومائتين وكانت ولايته سنة واحدة وستة أيام‏.‏

  ذكر ولاية محمد بن أحمد بن الأغلب

ولما توفي زيادة الله ولي بعده أبوعبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب وجرى على سنن أسلافه وكان أدبيا عاقلا حسن السيرة غير أن جزيرة صقلية تغلب الروم على مواضع منها وبنى أيضًا حصونًا ومحارس على ساحل البحر‏.‏

وبالمغرب أرض تعرف بالأرض الكبيرة بينها وبين برقة مسيرة خمسة عشر يوما وبها مدينة على ساحل البحر تدعى بارة وكان أهلها نصارى ليسوبروم فغزاها حياة مولى الأغلب فلم يقدر عليها ثم غزاها خلفون البربري ويقال إنه مولى لربيعة ففتحها في خلافة المتوكل وقام بعده رجل يسمى المفرج بن سالم ففتح أربعة وعشرين حصنا واستولى عليها فكتب إلى والي مصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه من المسلمين صالة إلا بأن يعقد له الإمام على ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المتغلبين وبنى مسجدًا جامعًا‏.‏

ثم إن أصحابه شغبوا عليه ثم قتلوه ثم توفي أبوعبد الله محمد رحمه الله سنة إحدى وستين ومائتين إنما ذكرنا ولاية هؤلاء متتابعة لقلة ما لكل واحد منهم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة زلزلت الأهواز زلزلة شديدة خمسة أيام وكان مع الزلزلة ريح شديدة فخرج الناس عن منازلهم وخرب كثير منها‏.‏

وفيها حج بالناس محمد بن داود أمره أشناس بذلك وكان أشناس حاجا وقد جعل إليه ولاية كل بلد يدخله وخطب له على منابر مكة والمدينة وغيرهما من البلاد التي اجتاز بها بالإمرة إلى أن عاد إلى سامرا‏.‏

وفيها توفي أبوالهذيل محمد بن الهذيل بن عبد الله بن العلاف البصري شيخ المعتزلة في زمانه وزاد عمره على مائة سنة وله مسائل في الأصول قبيحة تفرد بها ويحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي النيسابوري أبوزكرياء وتوفي في صفر بنيسابور وسليمان بن حرب الواشجي القاضي وأبوالهيثم الرازي النحوي وكان عالمًا بنحوالكوفيين‏.‏

  حوادث سنة سبع وعشرين مائتين

في هذه السنة خرج أبوحرب المبرقع اليماني بفلسطين وخالف على المعتصم‏.‏

وكان سبب خروجه أن بعض الجند أراد النزول في داره وهوغائب فمنعه بعض نسائه فضربها الجندي بسوط فأصاب ذراعها فأثر فيها فلما رجع إلى نزله شكت إليه ما فعل لها الجندي فأخذ سيفه وسار نحوه فقتله ثم هرب وألبس وجهه برقعا وقصد بعض جبال الأردن فأقام به وكان يظهر بالنهار متبرقعا فإذا جاءه أحد ذكره وأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويذكر الخليفة وما يأتي ويعيبه فاستجاب له قوم من فلاحي تلك الناحية‏.‏

وكان يزعم أنه أموي فقال أصحابه‏:‏ هذا السفياني فلما كثر أتباعه من هذه الصفة دعا أهل البيوتات فاستجاب له جماعة من رؤساء اليمانية منهم رجل يقال له ابن بيهس كان مطاعًا في أهل اليمن ورجلان من أهل دمشق‏.‏

واتصل الخبر بالمعتصم في مرضه الذي مات فيه فسير إليه رجاء بن أيوب الحضاري في زهاء ألف رجل من الجند فرآه في عالم كثير يبلغون مائة ألف فكره رجاء مواقعته وعسكر في مقابلته حتى كان أوان الزراعة وعمل الأرض فانصرف من كان مع المبرقع إلى عملهم وبقي في زهاء ألف أوألفين‏.‏

وتوفي المعتصم وولي الوارثق وثارت الفتنة بدمشق على ما نذكره فأمر الواثق رجاء بقتال من

أراد الفتنة والعود إلى المبرقع ففعل ذلك وعاد إلى المبرقع فناجزه رجاء فالتقى العسكران فقال رجاء لأصحابه‏:‏ ما أرى في عسكره رجلًا له شجاعة غيره وإنه سيظهر لأصحابه ما عنده فإذا حمل عليكم فأفرجوا له فما لبث أن حمل المبرقع فأفرج له أصحاب رجاء حتى جاوزهم ثم رجع فأفرجوا له حتى أتى أصحابه ثم حمل مرة أخرى فلما أراد الرجوع أحاطوا به وأخذوه أسيرًا‏.‏

وقيل‏:‏ كان خروجه سنة ست وعشرين ومائتين وإنه خرج بنواحي الرملة وصار في خمسين ألفا فوجه المعتصم رجاء الحضاري فقاتله وأخذ ابن بيهس أسيرا وقتل من أصحاب المبرقع نحوًا من عشرين ألفا وأسر المبرقع وحمله إلى سامرا‏.‏

  ذكر وفاة المعتصم

وفي هذه السنة توفي المعتصم أبوإسحاق محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الأول وكان بدء عليته أنه احتجم أول يوم في المحرم واعتل عندها‏.‏

قال زنام الزامر‏:‏ أفاق المعتصم في علته التي مات فيها فركب في الزلال في دجلة وأنا معه فمر يا منزلًا لم تبل أطلاله حاشًا لأطلالك أن تبلى لم أبك أطلالك لكنني بكيت عيشي فيك إذ ولى والعيش أولى ما بكاه الفتى لا بد للمخزون أن يسلى قال‏:‏ فما زلت أزمر له هذا الصوت وأكرره وقد تناول منديلًا بين يديه فما زال يبكي فيه وينتحب حتى رجع إلى منزله‏.‏

ولما احتضر المعتصم جعل يقول‏:‏ ذهبت الحيل ليست حيلة حتى صمت ثم مات ودفن بسامرا‏.‏

وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر ويومين وكان مولده سنة تسع وسبعين ومائة وقيل‏:‏ سنة ثمانين ومائة في الشهر الثامن وهوثامن الخلفاء والثامن من ولد العباس ومات عن ثمانية بنين وثماني بنات وملك ثماني سنينوثمانية أشهر فعلى القول الأول يكون عمره سبعًا وأربعين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما وعلى القول الثاني يكون عمره سبعًا وأربعين سنة وسبعة أشهر‏.‏

وكان أبيض أصهب الحية طويلها مربوعا مشرب اللون حمرة حسن العينين وكان مولده بالخلدقار وقال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه‏:‏ اذهب فنعم الحفيظ كنت على ال دنيا ونعم المعين لدين لا يخبر الله أمة فقدت مثلك إلا بمثل هارون وكانت أمه ماردة من مولدات الكوفة وكانت أمها صغدية وكان أبوها نشأ بالبندنيجين‏.‏

  ذكر بعض سيرته

ذكر عن أحمد بن أبي دؤاد أنه ذكر المعتصم فأسهب في ذكره وأكثر في وصفه وذكر من طيب أعراقه وسعة أخلاقه وكريم عشرته قال‏:‏ وقال يوما ونحن بعمورية‏:‏ ما تقول في البسريا عبد الله فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين نحن ببلاد الروم والبسر بالعراق فقال‏:‏ قد جاؤوا منه بشيء من بغداد وعلمت أنك تشتهيه ثم أحضره فمد يده فأخذ العذق فارغا قال‏:‏ وكنت أزامله كثيرًا في سفره ذلك‏.‏

  ذكر باقي الخبر

قال‏:‏ وأخذت لأهل الشاش منه ألفي درهم لعمل بهر كان لهم اندفن في صدر الإسلام فأضر بهم‏.‏

وقال غيره‏:‏ إنه كان لا يبالي إذا غضب من قتل وما فعل ولم يكن له لذة في تزيين البناء ولم يكن بالنفقة أسمح منه بها في الحرب‏.‏

قال أحمد بن سليمان بن أبي شيخ‏:‏ قدم الزبير بن بكار العراق هاربًا من العلويين لأنه كان ينال منهم فتهددوه فهرب منهم وقدم على عمه مصعب بن عبد الله بن الزبير وشكا إليه حاله وخوفه من العلويين وسأله إنهاء حاله إلى المعتصم فلم يجد عنده ما أراد وأنكر عليه حاله ولامه‏.‏

قال أحمد‏:‏ فشكا ذلك إلي وسألني مخاطبة عمه في أمره فقلت له في ذلك وأنكرت عليه إعراضه عنه فقال لي‏:‏ إن الزبير فيه جهل وتسرع فأشر عليه أن يستعطف العلويين ويزيل ما في نفوسهم منه أما رأيت المأمون ورفقه بهم وعفوه عنهم وميله إليهم قلت‏:‏ بلى فهذا أمير المؤمنين والله على مثل ذلك أوفوقه ولا أقدر أذكرهم عنده بقبيح فقل له ذلك حتى يرجع عن الذي هوعليه من ذمهم‏.‏

قال إسحاق بن إبراهيم المصعبي دعاني المعتصم يوما فدخلت عليه فقال‏:‏ أحببت أن أضرب معك بالصوالجة فلعبنا بها ساعة ثم نزل وأخذ بيدي منشي إلى أن صار إلى حجرة الحمام فقال‏:‏ خذ ثيابي فأخذتها ثم أمرني بنزع ثيابي ففعلت‏:‏ ودخلت وليس معنا غلام فقمت إليه فخدمته ودلكته وتولى المعتصم مني مثل ذلك فاستعفيته فأبى علي ثم خرجنا ومشى وأنا معه حتى صار إلى مجلسه فنام وأمرني فمنت حذاءه بعد الامتناع ثم قال لي‏:‏ يا إسحاق إن في قلبي أمرًا أنا مفكر فيه منذ مدة طويلة وإمنا بسطتك في هذا الوقت لأفشيه إليك فقلت‏:‏ قل يا أمير المؤمنين فإمنا أنا عبدك وابن عبدك‏.‏

قال‏:‏ نظرت إلى أخي المأمون وقد اصطنع أربعة فلم يفلح أحد منهم قلت‏:‏ ومن الذين اصطنعهم المأمون قال‏:‏ طاهر بن الحسين فقد رأيت وسمعت وابنه عبد الله بن طاهر فهوالرجل الذي لم ير مثله وأنت فأنت والله الرجل الذي لا يعتاض السلطان عنك أبدًا وأخوك محمد بن إبراهيم وأنا فاصطنعت الأفشين فقد رأيت إلى ما صار أمره وأشناس ففشل وإيتاخ فلا شيء ووصيفًا فلا معنى فيه‏.‏

فقلت‏:‏ أجيب على أمان من غضبك قال‏:‏ نعم‏!‏ قلت له‏:‏ يا أمير المؤمنين نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها فأنجبت واستعمل أمير المؤمنين فروعا فلم تنجب إذ لا أصول لها‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا إسحاق لمقاساة ما مر بي طول هذه المدة أيسر علي من هذا الجواب‏.‏

وقال ابن دؤاد‏:‏ تصدق المعتصم ووهب على ديد مائة ألف ألف درهم‏.‏

وحكي أن المعتصم قد انقطع عن أصحابه في يوم مطر فبيمنا هويسير رحله إذ رأى شيخًا معه حمار عليه حمل شوك وقد زلق الحمار وسقط والشيخ قائم ينتظر من يمر به فعينه على حمله فسأله المعتصم عن حاله فأخبره فنزل عن دابته ليخلص الحمار عن الوحل ويرفع عليه

حمله فقال له الشيخ‏:‏ بأبي أنت وأمي لا تبلل ثيابك وطيبك‏!‏ فقال‏:‏ لا عليك ثم إنه خلص الحمار وجعل الشوك عليه وغسل يديه ثم ركب فقال الشيخ‏:‏ غفر الله لك يا شاب‏!‏ ثم لحقه أصحابه فأمر له بأربعة آلاف درهم ووكل معه من يسير إلى بيته‏.‏

  ذكر خلافة الواثق بالله

وفيها بويع الواثق بالله هارون بن المعتصم في اليوم الذي توفي فيه أبوه وذلك يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين وكان يكنى أبا جعفر وأمه أم ولد رومية تسى قراطيس‏.‏

وفيها هلك توفيل ملك الروم وكان ملكه اثنتي عشرة سنة وملكت بعده امرأته تدورة وابنها ميخائيل بن توفيل صبي وحج بالناس جعفر ابن المعتصم وحجت معه أم الواثق فماتت بالحيرة في ذي الحجة ودفنت بالكوفة‏.‏

  ذكر الفتنة بدمشق

لما مات المعتصم ثارت القيسية بدمشق وعاثوا وأفسدوا وحصروا أميرهم فبعث الواثق إليهم رجاء بن أيوب الحضاري وكانوا معسكرين بمرج راهط فنزل رجاء بدير مران ودعاهم

فلما كان يوم الأحد وقد تفرقت سار رجاء إليهم فوافاهم وقد سار بعضهم إلى دومة وعضهم في جوائجه فقاتلهم وقتل منهم نحوألف وخمسمائة وقتل من أصحابه نحوثلاثمائة وهرب مقدمهم ابن بيهس وصلح أمر دمشق‏.‏

وسار رجاء إلى فلسطين إلى قتال أبي حرب المبرقع الخارج بها فقاتله فانهزم المبرقع واخذ أسيرًا على ما ذكرناه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها توفي بشر بن الحارث الزاهد المعروف بالحافي في ربيع الأول وعبد الرحمن بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن موسى بن عبيد الله ابن معمر التيمي المعروف بابن عائشة البصري وإمنا قيل له ابن عائشة لأنه من ولد عائشة بنت طلحة وتوفي أبوه عبيد الله بعده لسنة وإسماعيل ابن أبي أويس ومولده سنة تسع وثلاثين ومائة واحمد بن عبد الله بن يونس وأبوالوليد الطيالسي والهيثم بن خارجة‏.‏

وفيها سير عبد الرحمن صاحب الأندلس جيشًا إلى أرض العدو فلما كان بين أربونة وشرطانية تجمعت الروم عليهم وأحاطوا بالعسكر وقاتلوهم الليل كله فلما أصبحوا أنزل الله تعالى نصره على المسلمين وهزم عدوهم وأبلى موسى بن موسى في هذه العدوة بالء عظيما وكان على مقدمة العسكر وجرى بينه وبين جرير بن موفق وهومن أكابر الدولة أيضا شر فكان سببًا لخروج موسى عن طاعة عبد الرحمن‏.‏

وفيها توفي أذفونس ملك الروم بالأندلس وكانت إمارته اثنتين وستين سنة‏.‏وفيها توفي محمد بن عبد الله بن حسان اليحصبي الفقيه المالكي وهومن أهل إفريقية‏.‏

شرطانية بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وفتح الطاء المهملة وبعدها نون ثم ياء تحتانية ثم هاء‏.‏

 حوادث سنة ثمان وعشرين ومائتين

  ذكر غزوات المسلمين في جزيرة صقلية

في هذه السنة سار الفضل بن جعفر الهمداني في البحر فنزل مرسي مسيني وبث السرايا فغمنوا غنايم كثيرة واستأمن إليه أهل نابل وصاروا معه وقاتل الفضل مدة سنتين واشتد القتال فلم يقدر على أخذها فمضى طايفة من العسكر واستداروا خلف جبل مطل على المدينة فصعدوا إليه ونزلوا إلى المدينة وأهل البلد مشغولون بقتال جعفر ومن معه فلما رأى

وفيها فتحت مدينة مسكان‏.‏

وفي سنة تسع وعشرين ومائتين خرج أبوالأغلب العباس بن الفضل في سرية فبلغ شرة فقاتله أهلها قتالاَ شديدا فانهزمت الروم وقتل منها ما يزيد على عشرة آلاف رجل واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر ولم يكن بصقلية قبلها مثلها‏.‏

وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين حصر الفضل بن جعفر مدينة لنتيني فأخبر الفضل أن أهل لنتيني كاتبوا البطريق الذي بصقلية لينصرهم فأجابهم وقال لهم‏:‏ إن العلامة عند وصولي أن توقد النار ثلاث ليال على الجبل الفلاني فإذا رأيتم ذلك ففي اليوم الرابع أصل إليكم فنجتمع أنا وأنتم على المسلمين بغتة‏.‏

فأرسل الفضل من أوقد النار على ذلك الجبل ثلاث ليال فلما رأى أهل لنتيني الار أخذوا في أمرهم وأعد الفضل ما ينبغي أن يستعد به وكمن الكمناء وأمر الذين يحاصرون المدينة أن ينهزموا إلى جهة الكمين فإذا خرج أهلها عليهم قاتلوهم فإذا جاوزوا الكمين عطفوا عليهم‏.‏

فلما كان اليوم الرابع خرج أهل لنتيني وقاتلوا المسلمين وهم ينتظرون وصول البطريق فانهزم المسلمون واستجروا الروم حتى جاوزوا الكمين ولم يبق بالبلد أحد إلا خرج فلما جاوزوا الكمين عاد المسلمون عليهم وخرج الكمين من خلفهم ووضعوا فيهم السيف فلم ينج منهم إلا

لقليل فسألوا الأمان على أنفسهم وأموالهم ليسلموا المدينة فأجابهم المسلمون إلى ذلك وأمنوهم فسلموا المدينة‏.‏

وفيها أقام المسلمون بمدينة طارنت من أرض أنكبردة وسكنوها‏.‏

وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وصل عشر شلنديات من الروم فأرسوا بمرسى الطين وخرجوا ليغيروا فضلوا الطريق فرجعوا خائبين وركبوا البحر راجعين فغرق منها سبع قطع‏.‏

وفي سنة أربع وثلاثين صالح أهل رغوس وسلموا المدينة إلى المسلمين بما فيها فهدمها المسلمون واخذوا منها ما أمكن حمله‏.‏

وفي سنة خمس وثلاثين سار طائفة من المسلمين إلى مدينة قصريانة فغمنوا وسلبوا ونهبوا واحرقوا وقتلوا في أهلها وكان الأمير على صقلية للمسلمين محمد بن عبد الله بن الأغلب فتوفي في رجب من سنة ست وثلاثين ومائتين فكان مقيمًا بمدينة بلرم لم يخرج منها وإمنا كان يخرج الجيوش والسرايا فتفتح فتغمن فكانت إمارته عليها تسع عشرة سنة والله سبحانه أعلم‏.‏

  ذكر الحرب بين موسى بن موسى والحارث بن يزيغ

في هذه السنة كانت حرب بين موسى بن موسى عامل تطيلة وبين عسكر عبد الرحمن أمير

وسبب ذلك أن موسى بن موسى كان من أعيان قواد عبد الرحمن وهوالعامل على مدينة تطيلة فجرى بينه وبين القواد تحاسد سنة سبع وعشرين وقد ذكرناه فعصى موسى بن موسى على عبد الرحمن فسير إليه جيشا واستعمل عليهم الحارث بن يزيغ والقواد فاقتتلوا عند برجة فقتل كثير من أصحاب موسى وقتل ابن عم له وعاد الحارث إلى سرقسطة فسير موسى ابنه ألب بن موسى إلى برجة فعاد الحارث إليها وحصرها فملكها وقتل ابن موسى وتقدم إلى أبيه فطلبه فحضر فصالحه موسى على أن يخرج عنها فانتقل موسى إلى أزبيط‏.‏

وبقي الحارث يتطلبه أياما ثم سار إلى أزبيط فحصر موسى بها فأرسل موسى إلى غرسية وهومن ملوك الأندلسيين المشركين واتفقا على الحارث واجتمعا وجعلا له كماين في طريقه واتخذ له الخيل والرجال بموضع يقال له بلمسة على نهر هناك فلما جاء الحارث النهر خرج الكمناء عليه وأحدقوا به وجرى معه قتال شديد وكانت وقعة عظيمة وأصابه ضربة في وجهه فلقت عينه ثم أسر في هذه الوقعة‏.‏

فلما سمع عبد الرحمن خبر هذه الوقعة عظم عليه فجهز عسكرًا كبيرا واستعمل عليه ابنه محمد وسيره إلى موسى في شهر رمضان من سنة تسع وعشرين ومائتين وتقدم محمد إلى بنبلونة فأوقع عندها بجمع كثير من المشركين وقتل فيها غرسية وكثير من المشركين‏.‏

ثم عاد موسى إلى الخلاف على عبد الرحمن فجهز جيشًا كبيرًا وسيرهم إلى موسى فلما رأى ذلك طلب المسالمة فأجيب إليها وأعطى ابنه إسماعيل رهينة وولاه عبد الرحمن مدينة تطيلة فسار موسى إليها فوصلها وأخرج كل من يخافه واستقر فيها‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أعطى الواثق أشناس تاجًا ووشاحين‏.‏

وفيها مات أبوتمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر‏.‏

وفيها غلا السعر بطريق مكة فبلغ الخبز كل رطل بدرهم وراوية الماء بأربعين درهما وأصاب الناس في الموقف حر شديد ثم أصابهم مطر فيه برد واشتد البرد عليهم بعد ساعة من ذلك الحر وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت عدة ن الحجاج‏.‏

وحج بالناس محمد بن داود‏.‏

وفيها توفي عبد الملك بن مالك بن عبد العزيز أبونصر التمار الزاهد وكان عمره إحدى وتسعين سنة وكان قد أضر ومحمد بن عبد الله بن عمر ابن معاوية بن عمروبن عتبة بن أبي سفيان العتبي الأموي البصري أبوعبد الرحمن وكان عالمًا بالأخبار والآداب وأبوسليمان داود الأشقر

 حوادث سنة تسع وعشرين ومائتين

في هذه السنة حبس الواثق الكتاب وألزمهم أموالًا عظيمة وأخذ من أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن ضربه ومن سليمان بن وهب كاتب إيتاخ أربع مائة ألف دينار ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار ومن إبراهيم بن رياح وكتابه مائة ألف دينار ومن أحمد بن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار ومن نجاح ستين ألف دينار ومن أبي الوزير مائة ألف وأربعين ألف دينار‏.‏

وكان سبب ذلك أنه جلس ليلة مع أصحابه فسألهم عن سبب نكبة البرامكة فحكى له عرود بن عبد العزيز الأنصاري أن جارية لعدول الخياط أراد الرشيد شراءها فاشتراها بمائة ألف دينار وأرسل إلى يحيى ابن خالد أن يعطيه ذلك فقال يحيى‏:‏ هذا مفتاح سوء إذا أخذ ثمن جارية بمائة ألف دينار فهوأحرى أن يطلب المال على قدر ذلك فأرسل يحيى إليه‏:‏ إنني لا أقدر على هذا المال فغضب الرشيد وأعاد‏:‏ لا بد منها فأرسل يحيى قيمتها دراهم فأمر أن تجعل على طريق الرشيد ليستكثرها ففعل ذلك فاجتاز الرشيد بها فسأل عنها فقيل‏:‏ هذا ثمن الجارية فاستكثرها فأمر برد الجارية وقال لخادم له‏:‏ اضمم إليك هذا المال واجعل لي بيت مال لأضم إليه ما أريد وسماه بيت مال العروس واخذ في التفتيش عن الأموال فوجد البرامكة قد فرطوا فيها‏.‏

وكان يحضر عنده مع سماره رجل يعرف بأبي العود له أدب فأمر ليلة له بثلاثين ألف درهم فمطله بها يحيى فاحتال أبوالعود في تحريض الرشيد على البرامكة وكان قد شاع تغير الرشيد عليهم فبيمنا هوليلة عند الرشيد يحدثه وساق الحديث إلى أن أنشده قول عمر بن أبي ربيعة‏:‏ وعدت هند وما كانت تعد ليت هندًا أنجزتنا ما تعد واستبدت مرة واحدة إمنا العاجز من لا يستبد فقال الرشيد‏:‏ أجل إمنا العاجز من لا يستبد‏.‏

وكان يحيى قد اتخذ من خدام الرشيد خادمًا يأتيه بأخباره فعرفه ذلك فأحضر أبا العود وأعطاه ثلاثين ألف درهم ومن عنده عشرين ألف درهم وأرسل إلى ابنيه الفضل وجعفر فأعطاه كل واحد منهما عشرين ألفًا وجد الرشيد في أمرهم حتى أخذهم فقال الواثق‏:‏ صدق والله جدي إمنا العاجز من لا يستبد وأخذ في

  ذكر الخيانة وما يستحق أهلها فلم يمض غير أسبوع حتى نكبهم‏‏

وفيها ولي شيرياسبان لإيتاخ اليمن وسار إليها‏.‏

وفيها توفي خلف بن هشام البزار المقرئ في جمادى الأولى‏.‏

البزار بالزاي المعجمة والراء المهملة‏.‏

  حوادث سنة ثلاثين ومائتين

  ذكر مسير بغا إلى الأعراب

وفي هذه السنة وجه الواثق بغا الكبير إلى الأعراب الذين أغاروا بنواحي المدينة‏.‏ وكان سبب ذلك أن بني سليم كانت تفسد حول المدينة بالشر ويأخذون مهما أرادوا من الأسواق بالحجاز بأي سعر أرادوا وزاد الأمر بهم إلى أن وقعوا بناس من بني كنانة وباهلة فأصاوهم وقتلوا بعضهم في جمادى الآخرة من سنة ثلاثين ومائتين فوجه محمد بن صالح عامل المدينة إليهم حماد بن جرير الطبري وكان مسلحة لأهل المدينة في مائتي فارس وأضاف إليهم جندًا غيرهم وتبعهم متطوعة فسار إليهم حماد فلقيهم بالرويثة فاقتتلوا قتالًا شديدا فانهزمت سودان المدينة بالناس وثبت حماد وأصحابه وقريش والأنصار وقاتلوا قتالًا عظيما فقتل حماد وعامة أصحابه وعدد صالح من قريش والأنصار وأخذ بنوسليم الكراع والسلاح والثياب فطعموا ونهبوا القرى والمناهل ما بين مكة والمدينة وانقطع الطريق‏.‏

فوجه إليهم الواثق بغا الكبير أبا موسى في جمع من الجند فقدم المدينة في شعبان فلقيهم ببعض

مياه الحرة من رواء السوارقية قريتهم التي يأوون إليها وبها حصون فقتل بغا منهم نحوًا من خمسين رجلا وأسر مثلهم وانهزم الباقون وأقام بغا بالسوارقية ودعاهم إلى الأمان على حكم الواثق فأتوه متفرقين فجمعهم وترك من يعرف بالفساد وهم زهاء ألف رجل وخلى سبيل الباقين وعاد بالأسرى إلى المدينة في ذي العقدة سنة ثلاثين فحبسهم ثم سار إلى مكة‏.‏

فلما قضى حجه سار إلى ذات عرق بعد انقضاء الموسم وعرض على بني هلال مثل الذي عرض على بني سليم فأقبلوا وأخذ من المفسدين نحوًا من ثلاثمائة رجل وأطلق الباقين ورجع إلى المدينة فحبسهم‏.‏